المدارس المنتسبة إلى الإسلام ثلاث مدارس: أهل الحديث وأهل الرأي وأهل الكلام.
فأما أهل الحديث فهم أهل السنة والجماعة، وهم أتباع السلف الصالح، وهم: النبي (ص) والصحابة والتابعين وتابعي التابعين، ومن أقتفى أثرهم من أئمة الدين كمالك بن أنس ومحمد الشافعي وأحمد بن حنبل، وطبقتهم من علماء السنة.
وهم الذين يقال لهم: السلفية أو الوهابية.
ليس هناك سنّة غيرهم لا على العموم ولا على الخصوص.
وأما أهل الرأي وأهل الكلام، فقد ذهبوا مذاهب شتّى، لأن هاتين المدرستين، لا تعتمد في مصادر تلقيها للعلوم الدينية على القرآن الكريم وعلى السنة النبويّة.
فأهل الرأي، كل ما استحسنوا شيئاً، جعلوه ديناً، وأهل الكلام، إنما يبنون عقائدهم على ما يستوردونه من فلسفة ملاحدة الإغريق.
وإن خالف النصوص الشرعية، فإن خالف رأيهم آية قرآنية، حرفوا معناها لكي لا تتعارض مع رأيهم، وإن كان حديثاً، إما حرفوا معناه، وإن أعجزهم.
لذلك انبثق عن هاتين المدرستين (أهل الرأي – وأهل الكلام) تسع فرق، وهي: المرجئة والخوارج والقدرية والجبرية والمعطلة والمشبهة والناصبة والشيعة والصوفية.
وجميع هذه الفرق نشأت بالعراق!
فأول المرجئة هو ذر بن عبدالله الهمداني الكوفي. من أهل الكوفة بالعراق.
والخوارج مذهبان:
الحرورية، وكان مبدأهم من بلدة حروراء بالعراق.
والمعتزلة، وكان أولهم واصل بن عطاء البصري. من البصرة بالعراق.
وأول القدرية معبد الجهني البصري.
وأول الجبرية، الجهم بن صفوان الكوفي.
وأول المعطلة، الجعد بن درهم الكوفي.
وأول الممثِّلة، أوائل الشيعة الرافضة بالكوفة.
وأوائل الناصبة، هم الحرورية بالعراق.
وأول الشيعة الرافضة، نشأ بالكوفة.
وأول الصوفية نشأ بالعراق، وكان ذلك في زمن الإمام أحمد والإمام الشافعي.
إذا جميع هذه الفرق الضالة نشأت بالعراق، وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: اللهم بارك لنا في شامنا، وفي يمننا. فقال بعض الصحابة: وفي نجدنا؟ قال: اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا. فقالوا: وفي نجدنا. قال: هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان.
وفي رواية: - اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا ، وبارك لنا في شامنا ويمننا . فقال رجل من القوم : يا نبي الله ! وعراقنا ؟ قال : إن بها قرن الشيطان ، وتهيج الفتن ، وإن الجفاء بالمشرق .
وقد أجمع شرّاح الحديث على أن المراد بنجدنا، العراق، لأن العراق نجد أهل المدينة.
والله أعلم.
وهناك فرقة عاشرة، خرجت من مدرسة أهل الحديث، غلت في تعصبها للسُنَّة، حتى صارت تُقدِّم السُنَّة على القرآن.
حتى قال قائلهم: أن السُنَّة قاضية على القرآن، وأن السُنَّة تنسخ القرآن!
وهذا إفكٌ مُبين.
وأول من زعم بان السنة قاضية على القرآن، هو يحيى بن أبي كثير البصري، ثم المدني، ثم اليَمَامي.
وهذا الرجل، ولد ونشأ بالبصرة، وتعلم بها، ثم انتقل إلى المدينة، ومكث عشر سنوات يتلقى العلم عن أعيان التابعين، ثم انتقل إلى اليمامة، فمكث بها إلى وفاته، رحمه الله وعفا عنه.
ولذلك، فلا شك أن من يقدم السنة على القرآن مبتدع ضال، فتُلحق هذه الفِرقة بفرق المبتدعة.
وقد انصهرت هذه الفرق العشر، مؤخراً في عِدّة فرق وهم: الصوفية الأشاعرة والصوفية الماتريدية والصوفية الحلولية والشيعة الرافضة والإباضيّة.
ثم المرجئة، وأكثرهم اليوم ينتسب إلى المدرسة السلفية، وهي منهم براء.
ثم الخوارج، وأكثرهم ينتسب إلى المدرسة السلفية وهي منهم براء.
فهذه سبع فرق.
ولا أرى على السُنَّة المحضّة ومذهب السلف الأول، إلا النزر اليسير، نسأل الله السلامة.
لذلك يوصف أهل الحديث بأنهم: أهل السنة والجماعة، لأنهم يدعون الناس إلى الجماعة، بالتقيّد بما ورد في القرآن الكريم، وشرحه بما سنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوقاله أو أفعاله أو تقريراته.
بينما يوصف أهل الرأي وأهل الكلام، بأنهم أهل البِدع والفرقة، لأنهم يدعون الناس إلى الفرقة، إذ أن لكل طائفة رأياً وكلاماً، في العقائد، يخالف الأخريات، مما يدفعهم إلى التعصب والاختلاف، كما جرى من الاختلاف بين المذاهب الفقهيّة.
ومن العجائب، أن أهل البدع والفرقة، يزعمون اليوم، أن السلفية أو الوهابية، هي الفرقة التي تسعى لتفرقة المسلمين! وكأنهم كانوا على وئام من قبل، حتى جاء الوهابية وفرّقوهم، وهم ما جمعهم خلف إمام واحد بعد أن كانوا لا يصلّي بعضهم خلف بعض سوى الوهابية!
والحقيقة أن أهل البدع، هم أهل الفرقة، لأنهم لا يصدرون عن رأي واحد، ولا عن كلمة واحدة، بل لكل طائفة رأي وكلمة، وكل طائفة ترى أن الحقّ معها، وكل طائفة تبغض الأخرى وتطعن في دينها، ويصل الأمر في كثير من الأحيان إلى تكفيرها.
بل إن ما نراه اليوم من توادٍّ بين أهل البدع والفرقة، إنما هي مودّة زائفة، اقتضتها الضرورة الحتميّة، لمواجهة المدّ الإسلامي الوهابي، الذي يصبوا إلى وحدة الإسلام، تحت مظلة الكتاب والسنة النبويّة.
حتى أنك ترى الإباضي، الذي يرى أن عليّاً كافر في الأخرة، ومخلّدٌ في النار، على مودّة مع الرافضي الذي يؤله عليّاً، والعكس.
وتجد الصوفي الحلولي يوالي الصوفي الأشعري والماتريدي والعكس.
كل هذا نكايةً في الوهابية.
مع أنهم في بطون كتبهم، يلعن بعضهم بعضاً، ويبرأ بعضهم من بعض، نسأل الله العافية والسلامة.
والله أعلم وأحكم.