كما نعلم أن طلب الدعاء من النبي (ص) أو طلب الشفاعة منه عند الله تعالى وهو حيّ، يعتبر من أعظم القربات.
لأن طلب الدعاء من النبي (ص) أو من رجل صالح، هو من الاستشفاع والتوسل والتوسط المباح، بل المندوب إليهـ لعِظَم نفعه عند الله تعالى.
فطلب الدعاء من النبي وهو حيّ أو الاستشفاع به أو التوسط به عند الله ليس من الدعاء الشركي، فأنت في هذه الحالة، إنما تدعو النبي (ص) أن يدعو لك وأن يشفع لك، ولست تسأل حوائجك منه.
وهو بلا شك عنده منزلة ووجاهة عند الله تعالى، ولذلك فغن الله تعالى يستجيب له أسرع من استجابته لغيره من خلقه، والذين قد لا يستجيب لهم إذا كانوا من المكثرين من المعاصي.
لكن السؤال هنا: هل طلب الدعاء أو الشفاعة من النبي (ص) بعد موته شرك؟
والجواب: اتفقنا أن طلب الدعاء أو الشفاعة من النبي ليست شركاً أساساً، كونك لم تجعل النبي (ص) شريكاً لله تعالى في ملكه أو خلقه أو أمره أو تدبيره أو ألوهيته.
وبالتالي نقول: أنه حتى لو سئل النبي (ص) الدعاء أو الشفاعة بعد موته، فهو ايضاً ليس شركاً، لأنك لم تجعل النبي (ص) شريكا لله تعالى في ملكه أو خلقه أو أمره أو تدبيره أو ألوهيته.
لكن البعض قد يقول: بأن من يسأل من النبي (ص) الدعاء أو الشفاعة بعد موته، قد جعل النبي (ص) مثيلاً وكفوا وندا لله تعالى في كمال صفة السمع، وهذا شرك أكبر؟
والجواب على ذلك: أن هذا صحيح لو كان الأمر كذلك، ولكنهم يقيسون فعلهم هذا بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته.
ففي الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم، أخبر أن في الأرض ملائكة يبلغونه سلام أمته، وأن الله يرد عليه روحه ليرد السلام.
فهم يقيسون هذا على ذلك، فيقولون: كما أن هؤلاء الملائكة يبلغون النبي صلى الله عليه وسلم سلام أمته عليه، فكذلك يبلغونهم أن من أمته من يسأله الدعاء أو الشفاعة.
وطبعاً هذا باطل، فالحديث نص على السلام فقط، ولكن الشاهد في هذا الخبر، أنهم لم يجعلوا النبي صلى الله عليه وسلم مثيلا وكفوا وندا لله تعالى في كمال صفة السمع.
وبالتالي: إذا كان من يطلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، أو يسأله أن يشفع له عند ربه بعد موته، لم يجعل النبي (ص) مثيلا وكفوا وندا لله تعالى في كمال صفاته سواء السمع أو غيرها، ثم هو لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم شريكاً لله تعالى في ملكه أو خلقه أو أمره وتدبيره أو ألوهيته، فكيف يكون فاعل ذلك مشركاً؟!
إذا تبيّن لنا أن من طلب الدعاء من النبي أو طلب الشفاعة من النبي بعد موته ، وهو أن يقول "وانتبهوا للصيغة جيداً" : يا نبي الله ادع الله لي أن يفعل لي كذا وكذا. أو يقول: يا نبي الله أشفع لي عند ربك أن يفعل لي كذا وكذا. ليس شركاً أكبر. فتنبهوا لهذا الأمر جيداً.
وقد ورد في إجازة هذا الفعل حديث عن عثمان بن حنيف، حيث أوصى رجلاً بأن يستشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، ويسأله أن يشفع له عند ربه أن يقضي حاجته.
ولكن لا ينبغي للإنسان أن يفعل ذلك، لأن حديث عثمان بن حنيف ضعيف، والحديث الضعيف لا حجة فيه، ولا يعمل به.
ومثل ذلك من يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له الله عز وجل، مثل خبر الأعرابي، عندما وَوَقَفَ بِحِذَاءِ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُكَ مُثْقَلًا بالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا مُسْتَشْفِعًا بِكَ عَلَى رَبِّكَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا، وَقَدْ جِئْتُكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مُثْقَلًا بالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا أَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى رَبِّكَ أَنْ يَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي وَأَنْ تَشْفَعَ فِيَّ .. إلخ.
هذا ليس شركاً أكبر، ولا يخرج صاحبه من الإسلام. لانه لم يسأل من النبي المغفرة، بل سأل من النبي أن يشفع له عند الله أن يغفر له، ولم يجعل النبي (ص) مثيلا وكفوا وندا لله تعالى في كمال صفاته.
ولكن هنا تنبيه غاية في الألأهمية، ودائماً أنبّه عليه، لأنه كثيراً ما يحدث اللبس فيه.
وهو أن المشركين يلبسون على الناس ويدلّسون، فيتوجهون بالدعاء الشرعي إلى النبي (ص) ويسألونه حوائجهم من دون الله تعالى، ثم يقولون: هذا استشفاع وتوسل وتوسط.
وهذا طبعاً كذب، فالاستشفاع والتوسل والتوسط، لها صيغة بيّنة واضحة، بينما الدعاء الشرعي له صيغة بيّنة واضحة.
فهناك فرق كبير في المعنى، بين أن تقول يا نبي الله أدع الله لي. أو: أشفع لي عند الله. وبين أن تقول يا نبي الله أغثني أو أرزقني أو أنصرني أو اشفني، بمعنى أنك تسأل حوائجك ممن لا يملكها، والنبي فضلاً عن غيره من خلق الله، لا يملك شيئاً مع الله تعالى، فكيف تسأل حوائجك منه من دون الله.
ولكن المشركين عندهم حيل، فيقولون: نحن إنما نريد بدعائنا للنبي (ص) أن يدعو الله لنا ويشفع لنا.
وهذه حيلة منهم وتلبيس وتدليس، لأنهم لو كانوا صادقين، لما عَدَلوا عن اللفظ الصحيح للاستشفاع والتوسل والتوسط إلى لفظ مغاير له في المعنى.
كما أن من عرف أحوالهم، علم أنهم يكذبون أيضاً في دعواهم، من جهة أنهم يعتقدون أن النبي مؤثر بنفسه، فعندهم أن النبي (ص) والأولياء والمشايخ، يقضون الأمر من دون الله تعالى، أي: دون الرجوع إلى الله تعالى، وأن الله لا يرد لهم أمراً، بمعنى: أنه أشركهم معهم في ربوبيته وألوهيته، فعندهم النبي والولي والشيخ قادر على كل ما يقدر عليه الله تعالى، وأن الله هو من منحه هذه الخاصيّة.
وهذا مردود بنصّ القرآن.
فالله تعالى قال: (ليس كمثله شيء) وقال: (ولم يكن له كفوا أحد) وقال النبي (ص) لما سئل عن الشرك: "أن تجعل لله ندا".
فالله تبارك وتعالى، لم يمنح هذه الشراكة التي يزعمون لأحد من خلقه، ولم يكن لأحد من خلقه أن يكون شريكاً له في ذلك.
حتى النبي محمد (ص) الذي هو خليله وخاتم أنبياءه وصفوته من خلقه، بيّن الله لنا في القرآن، أنه لم يكن ليكون شريكاً له في شيء من ربوبيته ولا ألوهيته، فقال: "ليس لك من الأمر شيء". في ىيات وأحاديث أخرى في هذا المعنى.
فإذا كان دعوى هؤلاء المشركين، أن الله تعالى منح النبي (ص) أو الأولياء أو المشايخ، الشراكة في ربوبيته وألوهيته، لا يمكن إدراكها بالعقل الصحيح ولا بالفطرة السليمة، وإنما تدرك بالخبر عن الله أو عن رسوله، ثم لم نجد في كتاب الله ولا في سنة نبيه (_ص) ما يدل على صحة قول هؤلاء المشركين، بل وجدنا ما ينقضه ويخالفه ويكذبه، علمنا أن هؤلاء المشركين المدعين للإسلام مفترون على الله وعلى رسوله.
ولذلك مشركي قريش والعرب، لما قالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، وأننا انما نعبدهم لنتخذهم شفعاء لنا عند الله، ألأكذبهم الله تعالى وقال: (ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم ويقوولن هؤلاء شفعاؤنا عند الله)
فأخبر الله تعالى أن ما يفعلونه من الدعاء والذبح والنذر هو عبادة، وأنهم يكذبون عندما كانوا يقولون: بأنهم إنما يفعلون ذلك طلبا للقربى عنده وليشفعوا لهم عنتد الله، لأن هذا ليس استشفاعا ولا توسلا ولا توسطا، بل هو طلب مباشر ممن لا يملك الشيء المطلوب.
ومشركي المتكلمين والصوفية والشيعة، يستخدمون الصيغة الشركية دائماً، فهم لا يقولون: يانبي الله ادع لنا أو يا نبي الله اشفع لنا.
لا يستخدمون هذه المصطلحات.
وإنما يستخدمون المصطلحات الشركيّة، وهي: يا نبي الله أغثنا أو ارزقنا أو أشفنا ونحو ذلك. مما قد تبيّن به إيغالهم في الشرك الأكبر.