الاثنين، 15 يناير 2024

أصل الشرك

أصل الشرك معلومٌ من قوله تعالى: (ليس كمثله شيء)

وقوله تعالى: (ولم يكن له كفوا أحد)

وعرّف النبي صلى الله عليه وسلم الشرك، في الحديث الصحيح، بأنه: "أن تجعل لله نِدّاً وهو خلقك".

فالمثيل والكفؤ والنِدّ معان مترادفة.

ومعنى ذلك: أن الله تعالى لا يماثله ولا يكافئه ولا نِدَّ له في كمال صفاته.

فهذه الآيات وهذا الحديث، تدلّ على التباين بين كمال الصفات بين صفات الله تعالى، وبين صفات مخلوقاته.

والعرب تقول: "فلان ليس كمثله أحد" والعامة في الحجاز ونجد يقولون: "فلان ما مثله أحد" و "ما" هنا بمعنى ليس.

يريدون بذلك التنبيه على التباين بين كمال الصفات في هذا الشخص وغيره من الأشخاص.

ويتبيّن لنا هنا، خطأ المعطِّلة، عندما احتجوا بقوله تعالى: (ليس كمثله شيء) على تعطيل صفات الله تعالى، لأن هذه الآية لا تعني ذلك، لا من قريب ولا من بعيد.

فأنت إذا ساويت بين الله تعالى وبين خلقٍ من خلقه في كمال الصفات، فقد جعلته لله مثيلاً وكفواً ونِدّاً، وهذا هو الشرك الأكبر.

وآية ذلك، أنك ترى أن المخلوق قادر على جميع ما يقدر عليه الله تعالى، أو على بعض ما يقدر عليه الله تعالى، مما لا يقدر عليه إلّا الله تعالى في الحقيقة.

فمثلاً: أن تدعي أن المخلوق عنده من قوّة السمع، ما يقدر به على أن يسمعك وهو في مكان بعيد، أو وهو ميّت، ويعيش في عالم أخر.

أو تدعي أن المخلوق عنده من قوة البصر، ما يقدر به على أن يراك وهو في مكان بعيد، أو وهو ميّت، ويعيش في عالم أخر.

أو تدعي أن المخلوق عنده من قوة العِلم، ما يقدر به على أن يعلم بحالك، وهو في مكان بعيد، أو وهو ميّت، ويعيش في عالم أخر.

أو تدعي أن المخلوق عنده من القوة والقدرة، ما يقدر به على أن يغيثك أو يعينك أو يعيذك، وهو في مكان بعيد، أو وهو ميّت، ويعيش في عالم أخر.

كل هذه الاعتقادات، تفيد أن العبد، قد جعل من المخلوقات من يماثل ويكافئ الله تعالى في كمال صفاته، التي لا يستحقها إلّا هو، وهذا هو الشرك الأكبر، الذي من مات عليه، خَلُد في النار.

فإن قيل: كيف أميّز بين الفارق بين صفات الله تعالى وصفات مخلوقاته من حيث الكمال؟

فالجواب: هذه المسألة تدرك بالعقل الصحيح والفطرة السليمة، فكل ما عليك أن تنظر إلى عامة المخلوقات، فما لا يقدرون عليه، فإن الملائكة والأنبياء والأولياء والجنّ لا يقدرون عليه.

مع الأخذ في الاعتبار، الفارق في صفة القوة والقدرة من المخلوقات، فهذه المخلوقات بعضها أكمل من بعض، في قوتها وقدرتها وكمال صفاتها، ولكن جميعها لكمال صفاتها حدود لا تتخطّاها.

فمثلاً: الملك لضخامة حجمه، لديه القوة والقدرة على أن يرفع جبلاً، وهذا ما لا يستطيع الإنس والجن فعله بحجمهم الطبيعي، ولكن أعطني إنسانا أو جنّيّاً في حجم ملك، وسوف يكون قادراً على ذلك.

والواجب أن تعطي المخلوق طاقته من القوة والقدرة، فالعبد لا يسمعك ولا يبصرك إلا إذا كان قريباً منك، ليس بينك وبينه إلا أذرعٌ يسيرة، ولا يعلم عن حالك شيئاً، ما لم يسمعك أو يراك أو تخبره بخبرك أو يُخْبَر عنك.

وأنه لا يستطيع أن يغيثك أو يعينك أو يعيذك، إلا في أمور الدنيا، التي يغيث ويعين ويعيذ المخلوقون بعضهم بعضاً فيها.

شرط أن يكون حيّاً أيضاً، لأنه إذا كان ميّتاً، لن يستطيع سماعك أو رؤيتك أو اغاثتك أو اعانتك أو اعاذتك، مما رجوه أن يغيثك أو يعينك غليه، أو يعيذك منه، لأنه وإن كان جسده حراً إلا أن روحه تعيش في الم أخر، 

لأنك إذا جعلت لله ندّاً في كمال صفاته، استجزت أن تسأل من هذا الندّ، ما لا يجوز سؤاله في الحقيقة من غير الله تعالى، كونه لا يقدر على ذلك سوى الله تعالى، الذي تفرد بكمال الصفات، وبكمال القوّة والقدرة.

لذلك لا يجوز دعاء غير الله تعالى، فيما لا يقدر عليه في الحقيقة إلّا الله تعالى.

وكذلك لا يجوز النذر والذبح لغير الله تعالى، تقرباً وتزلّفاُ، لقضاء حاجة لا يقدر على قضاءها في الحقيقة إلّا الله تعالى.

هذا أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم

والله الهادي إلى سواء السبيل.

والله أعلم.