وهم أهل البدع والعصاة.
وسواء كانت بدعتهم أو معصيتهم مغلَّظَة مكفِّرة أم دون ذلك.
فأما إن كان المبتدع أو العاصي فرداً، فإنه تطبَّق عليه الأحكام الشرعية الرادعة، فإن لم يقضي الله عزّ وجل ورسوله فيها بحدّ أو عقوبة، فيُعزَّر بما يراه وليّ أمر المسلمين، رادعاً له ولأمثاله.
وإن كانوا جماعة لهم شوكة ومنعة، فإنهم يقاتلون، فمن مات منهم فسحقاً له، ومن بقي منهم يُجبرون على الطاعة.
وهذا في جميع مسائل الدين، سواء التي نُصّ عليها في القرآن الكريم، أو نُصّ عليها في السنة الواجبة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فيعاقب المعطلة والممثلة، والقدرية والجبرية، والمرجئة والخوارج، والشيعة والناصبة، والصوفية.
وكذلك يعاقب من ترك الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج.
حتى وإن لم ينكروا فرضيّتها.
فلو أن فرداً قال: أقر بالحج ولكني لن أحجّ أبدا، أي: أعلن ذلك وجاهر به، فإنّه يعزّر، حتى يعلن بانه متى استطاع وتيسّر له الحج فسوف يحجّ.
ولو أن طائفة من الناس قالوا: نقر بالحج ولكن لا نحج أبدا، قوتلوا حتى يعلنوا بأنهم متى ما استطاعوا وتيسّر لهم الحج فسوف يحجّون.
وقس على ذلك سائر أركان الإسلام.
والدليل على ذلك، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قاتل الناس حتى أذعنوا بشرائع الإسلام.
فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من القبائل والقرى من لم يعلن ردّته عن دين الإسلام، بلزعم أنه مسلم، ونطق الشهادتين، واقام الصلاة، ولكنهم آمنوا بنبوّة مسيلمة وطليحة وسجاح والأسود العنسي، فكفّرهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لأنهم وقعوا في بدعة مكفِّرة، مع علمهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال بأنه خاتم النبيّين، وقاتلهم، واستباح دمائهم وأموالهم ونسائهم وذراريهم.
ومن القبائل والقرى، من لم يرتدّ عن الإسلام، لكنهم منعوا الزكاة فقط، وقالوا: نقرّ بها ولكن لا نؤديها لأبي بكر، فقاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه حتى أدّوها راغمين.
فأهل البدع والعصاة، يعاقبون، حتى يرجعوا عن بدعتهم وعن معصيتهم.
فإن كان فرداً، ووقع في بدعة مكفِّرة، استتيب، فإن تاب وإلا قتل حدّاً للردّة.
وإن لم تكن بدعته أو معصيته مكفِّرة، فإن كان لبدعته أو معصيته حدّ منصوص عليه في الوحي، أقيم عليه، وإن لم يكن هناك نص في عقوبته، يعزّره إمام المسلمين بما يراه رادعاً له ولأمثاله.
وإن كان المخالفون جماعة لهم شوكة ومنعة، يقاتلون، سواء كانت بدعتهم مكفرة أو غير مكفرة، فمن قتل منهم فسحقاً له، ومن عاش منهم يجبرون على الطاعة.
والله أعلم وأحكم.
وهنا تنبيه: وهو أن المكلَّف بمعاقبة المخالفين، هو إمام المسلمين، فإن لم يقم إمام المسلمين بواجبه في هذا الخصوص، فليس لآحاد الناس أن يقوم بذلك، بل يكتفي المصلحون بالدعوة إلى الله عز وجل على بصيرة، وأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وأن يبدأ بنفسه وأهل بيته وجيرانه وقرابته.
لقول النبي صلى لله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وذاك أضعف الإيمان"
رواه مسلم.